فصل: 409 - مسألة : حكم من أتى كاهنا أو عرافا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


388 - مسألة

وَمَنْ تَعَمَّدَ فِي الصَّلاَةِ وَضْعَ يَدِهِ عَلَى خَاصِرَتِهِ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ‏.‏

وَكَذَلِكَ مَنْ جَلَسَ فِي صَلاَتِهِ مُتَعَمِّدًا أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى يَدِهِ أَوْ يَدَيْهِ

حدثنا حمام، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، حدثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ نُهِيَ عَنْ التَّخَصُّرِ فِي الصَّلاَةِ‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُخْتَصِرًا‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏

فَصَحَّ أَنَّ النَّهْيَ الأَوَّلَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏ وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ‏:‏ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ‏.‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ فِي وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الْخَاصِرَةِ فِي الصَّلاَةِ‏:‏ فِعْلُ الْيَهُودِ، وَكَرِهَتْهُ وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ‏:‏ أَنَّهَا رَأَتْ رَجُلاً فِي الصَّلاَةِ وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى خَاصِرَتِهِ فَقَالَتْ‏:‏ هَكَذَا أَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ‏.‏ وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زِيَادِ بْنِ صُبَيْحٍ الْحَنَفِيّ قَالَ صَلَّيْتُ إلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ فَوَضَعْت يَدِي عَلَى خَاصِرَتِي؛ فَلَمَّا صَلَّى قَالَ‏:‏ هَذَا الصَّلْبُ فِي الصَّلاَةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْهُ‏.‏ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ أَنَّهُ كَرِهَ وَضْعَ الْيَدِ عَلَى الْخَاصِرَةِ فِي الصَّلاَةِ، وَقَالَ‏:‏ الشَّيْطَانُ يَحْضُرُهُ ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ صَالِحِ بْنِ نَبْهَانَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ‏:‏ إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إلَى الصَّلاَةِ فَلاَ يَجْعَلْ يَدَهُ فِي خَاصِرَتِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ ذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا الاِعْتِمَادُ عَلَى الْيَدِ‏:‏ فَحدثنا حمام عَنْ ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا الدَّبَرِيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ نَافِعٍ عن ابْنِ عُمَرَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْلِسَ الرَّجُلُ فِي صَلاَتِهِ مُعْتَمِدًا عَلَى يَدِهِ‏.‏ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ‏:‏ أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ الشَّرِيدِ يُخْبِرُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ كَانَ يَقُولُ فِي وَضْعِ الرَّجُلِ شِمَالَهُ إذَا جَلَسَ فِي الصَّلاَةِ‏:‏ هِيَ قِعْدَةُ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ قَدْ صَحَّ عَنْهُ عليه السلام، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ صَلُّوا كَمَا تَرَوْنِي أُصَلِّي فَمَنْ صَلَّى بِخِلاَفِ صَلاَتِهِ عليه السلام مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ؛ فَقَدْ صَلَّى غَيْرَ الصَّلاَةِ الَّتِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا، فَلاَ تُجْزِئُهُ، وَالاِعْتِمَادُ عَلَى الْيَدِ فِي الصَّلاَةِ خِلاَفُ صَلاَتِهِ عليه السلام، بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ عن ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ لاِِنْسَانٍ‏:‏ مَا يُجْلِسُك فِي صَلاَتِك جِلْسَةَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَكَانَ رَآهُ مُعْتَمِدًا عَلَى يَدَيْهِ‏.‏

389 - مسألة

وَالإِتْيَانُ بِعَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَالسَّجَدَاتِ فَرْضٌ لاَ تَتِمُّ الصَّلاَةُ إلاَّ بِهِ، لِكُلِّ قِيَامٍ رُكُوعٌ وَاحِدٌ، ثُمَّ رَفْعٌ وَاحِدٌ، ثُمَّ سَجْدَتَانِ بَيْنَهُمَا جَلْسَةٌ هَذَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الآُمَّةِ فَمَنْ نَسِيَ سَجْدَةً وَاحِدَةً وَقَامَ عِنْدَ نَفْسِهِ إلَى رَكْعَةٍ ثَانِيَةٍ فَإِنَّ الرَّكْعَةَ الآُولَى لَمْ تُتَمَّ، وَصَارَ قِيَامُهُ إلَى الثَّانِيَةِ لَغْوًا لَيْسَ بِشَيْءٍ‏.‏ وَلَوْ تَعَمَّدَهُ ذَاكِرًا لَبَطَلَتْ صَلاَتُهُ، حَتَّى إذَا رَكَعَ وَرَفَعَ فَكُلُّ ذَلِكَ لَغْوٌ، لاَِنَّهُ عَمِلَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ نِسْيَانًا، وَالنِّسْيَانُ مَرْفُوعٌ‏.‏ فَإِذَا سَجَدَ تَمَّتْ لَهُ حِينَئِذٍ رَكْعَةٌ بِسَجْدَتَيْهَا‏.‏ وَلَوْ نَسِيَ مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ صَلاَتِهِ سَجْدَةً لَكَانَ إنْ كَانَتْ‏:‏ الصُّبْحَ، أَوْ الْجُمُعَةَ، أَوْ الظُّهْرَ، أَوْ الْعَصْرَ‏.‏ أَوْ الْعَتَمَةَ فِي السَّفَرِ‏:‏ قَدْ صَحَّتْ لَهُ رَكْعَةٌ‏.‏ فَلْيَأْتِ بِأُخْرَى ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ‏.‏ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْمَغْرِبِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا، وَلْيَسْجُدْ سَجْدَةً وَاحِدَةً‏.‏ ثُمَّ يَقُومُ إلَى الثَّانِيَةِ، فَإِذَا أَتَمَّهَا جَلَسَ، ثُمَّ قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ، ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ‏.‏ وَإِنْ كَانَتْ‏:‏ الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ، أَوْ الْعَتَمَةَ فِي الْحَضَرِ‏:‏ فَقَدْ صَحَّتْ لَهُ رَكْعَتَانِ كَمَا ذَكَرْنَا؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى‏}‏‏.‏ وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ‏.‏ فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ عَمِلَهُ الْمَرْءُ فِي مَوْضِعِهِ كَمَا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مُعْتَدٌّ لَهُ بِهِ، وَكُلَّ عَمَلٍ عَمِلَهُ الْمَرْءُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ الَّذِي أَمَرَهُ عليه السلام فَهُوَ رَدٌّ وَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ‏.‏ وَقَالَ بِهَذَا الشَّافِعِيُّ، وَدَاوُد، وَغَيْرُهُمَا‏.‏

وقال مالك‏:‏ يُلْغَى قِيَامُهُ فِي الآُولَى وَرُكُوعُهُ وَرَفْعُهُ وَالسَّجْدَةُ الَّتِي سَجَدَهَا وَيُعْتَدُّ بِالثَّانِيَةِ وَهَذَا خَطَأٌ لِمَا ذَكَرْنَا؛ لاَِنَّهُ اعْتَدَّ لَهُ بِقِيَامٍ فَاسِدٍ وَرُكُوعٍ فَاسِدٍ وَرَفْعٍ فَاسِدٍ، وَضَعَ كُلَّ ذَلِكَ حَيْثُ لاَ يَحِلُّ لَهُ؛ وَحَيْثُ لَوْ وَضَعَهُ عَامِدًا لَبَطَلَتْ صَلاَتُهُ بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ، وَأَلْغَى لَهُ قِيَامًا وَرُكُوعًا وَرَفْعًا وَسَجْدَةً أَدَّاهَا بِإِجْمَاعِ الآُمَّةِ، وَهُوَ مَعَهُمْ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

فإن قيل‏:‏ أَرَدْنَا أَنْ لاَ يَحُولَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ بِعَمَلٍ

قلنا‏:‏ قَدْ أَجَزْتُمْ لَهُ أَنْ يَحُولَ بَيْنَ الإِحْرَامِ لِلصَّلاَةِ وَبَيْنَ الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ الْمُتَّصِلَيْنِ بِهَا بِعَمَلٍ أَبْطَلْتُمُوهُ، فَمَا الْفَرْقُ وَقَدْ حَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَعْمَالِ صَلاَتِهِ نَاسِيًا بِمَا لَيْسَ مِنْهَا، مِنْ سَلاَمٍ وَكَلاَمٍ وَمَشْيٍ وَاتِّكَاءٍ وَدُخُولِهِ مَنْزِلَهُ، وَلَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ مَا عَمِلَ مِنْ صَلاَتِهِ شَيْئًا؛ فَالْحَيْلُولَةُ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَتْ بِنِسْيَانٍ لاَ تَضُرُّ

فإن قيل‏:‏ إنَّهُ لَمْ يَنْوِ بِالسَّجْدَةِ أَنْ تَكُونَ مِنْ الرَّكْعَةِ الآُولَى، وَإِنَّمَا نَوَاهَا مِنْ الثَّانِيَةِ، وَالأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ

قلنا لَهُمْ‏:‏ هَذَا لاَ يَضُرُّ، لاَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَوَى بِالْجَلْسَةِ الَّتِي سَلَّمَ مِنْهَا أَنَّهَا مِنْ الرَّكْعَةِ الرَّابِعَةِ، وَهِيَ مِنْ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ اعْتَدَّ بِهَا لِلثَّانِيَةِ،

وَكَذَلِكَ أَمَرَ عليه السلام مَنْ لَمْ يَدْرِ كَمْ رَكْعَةً صَلَّى أَنْ يُصَلِّيَ حَتَّى يَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ التَّمَامِ، وَعَلَى شَكٍّ مِنْ الزِّيَادَةِ، فَالْمُصَلِّي عَلَى هَذَا يَنْوِي بِالرَّكْعَةِ أَنَّهَا الثَّالِثَةُ وَلَعَلَّهَا رَابِعَةٌ، وَلاَ يَضُرُّ ذَلِكَ شَيْئًا ثم نقول لَهُمْ‏:‏ هَذَا نَفْسُهُ لاَزِمٌ لَكُمْ؛ لاَِنَّهُ نَوَى بِالتَّكْبِيرِ لِلإِحْرَامِ ‏[‏ أَنْ تَلِيَ الرَّكْعَةَ الَّتِي أَبْطَلْتُمْ عَلَيْهِ، لاَ الرَّكْعَةَ الَّتِي جَعَلْتُمُوهَا أَوَّلاً‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ يَسْجُدُ فِي آخِرِ صَلاَتِهِ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ وَتَمَّتْ صَلاَتُهُ وَهَذَا كَلاَمٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، لاَِنَّهُ اعْتَدَّ لَهُ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ لَمْ يُتِمَّ مِنْهَا، وَلاَ وَاحِدَةً؛ وَهَذَا بَاطِلٌ‏.‏ ثُمَّ أَجَازَ لَهُ سَجَدَاتٍ مُتَتَابِعَاتٍ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ بِهَا، أَتَى بِهَا عَامِدًا مُخَالِفًا لاَِمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالْقَصْدِ‏.‏ وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي‏.‏ وَلِتَعْلِيمِهِ عليه السلام الْمُصَلِّيَ كَيْف يَعْمَلُ، مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا كُلَّ ذَلِكَ بِإِسْنَادِهِ؛ وَهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ‏.‏ وَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ لِلْمُصَلِّي تَعَمُّدُ تَقْدِيمِ سَجْدَةٍ قَبْلَ الرَّكْعَةِ، وَلاَ تَعَمُّدُ تَقْدِيمِ رُكُوعٍ قَبْلَ السَّجْدَةِ الَّتِي فِي الرُّكُوعِ الَّذِي قَبْلَهُ؛ ثُمَّ أَجَازُوا هَذَا بِعَيْنِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

390 - مسألة

وَلاَ يَحِلُّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَفْتَرِشَ ذِرَاعَيْهِ فِي السُّجُودِ‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حدثنا شُعْبَةُ سَمِعْت قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ، وَلاَ يَبْسُطُ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ‏:‏ أَنَّهُ رَأَى رَجُلاً لاَ يُتِمُّ رُكُوعَهُ، وَلاَ سُجُودَهُ، فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ قَالَ لَهُ‏:‏ مَا صَلَّيْتَ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ مَنْ افْتَرَشَ ذِرَاعَيْهِ فِي السُّجُودِ فَلَمْ يُتِمَّ سُجُودَهُ، وَمَنْ لَمْ يُتِمَّ سُجُودَهُ فَلاَ صَلاَةَ لَهُ عِنْدَ حُذَيْفَةَ، وَلاَ نَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم‏.‏

391 - مسألة

وَفُرِضَ عَلَى الْمُصَلِّي أَنْ لاَ يَبْصُقَ أَمَامَهُ، وَلاَ عَنْ يَمِينِهِ، فِي صَلاَةٍ كَانَ أَوْ فِي غَيْرِ صَلاَةٍ وَحُكْمُهُ أَنْ يَبْصُقَ فِي الصَّلاَةِ فِي ثَوْبِهِ، أَوْ عَنْ يَسَارِهِ تَحْتَ قَدَمِهِ، أَوْ عَلَى بُعْدٍ عَلَى يَسَارِهِ، مَا لَمْ يُلْقِ الْبَصْقَةَ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ يَبْصُقْ خَلْفَهُ مَا لَمْ يُؤْذِ بِذَلِكَ أَحَدًا‏.‏ وَلاَ يَجُوزُ الْبُصَاقُ فِي الْمَسْجِدِ أَلْبَتَّةَ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ صَلاَةٍ، إلاَّ أَنْ يَدْفِنَهُ‏.‏

حدثنا حمام، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا الثَّوْرِيُّ هُوَ سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ، هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُحَارِبِيِّ قَالَ‏:‏ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إذَا صَلَّيْتَ فَلاَ تَبْصُقْ بَيْنَ يَدَيْكَ، وَلاَ عَنْ يَمِينِكَ، وَابْصُقْ تِلْقَاءَ شِمَالِكَ إنْ كَانَ فَارِغًا، وَإِلاَّ فَتَحْتَ قَدَمِكَ، وَأَشَارَ بِرِجْلِهِ فَفَحَصَ الأَرْضَ‏.‏

وَرُوِّينَا أَيْضًا بِأَجَلِ إسْنَادٍ عَنْ شُعْبَةَ، حدثنا قَتَادَةُ سَمِعْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَذَكَرَ نَحْوَهُ‏.‏ وَعَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏ وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏

وَرُوِّينَا النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ عَنْ حُذَيْفَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَلاَ مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا آدَم، حدثنا شُعْبَةُ، حدثنا قَتَادَةُ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ‏:‏ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ الْبُصَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ، وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا‏.‏

وبه إلى الْبُخَارِيِّ، حدثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حدثنا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي قَتَادَةُ سَمِعْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ لاَ يَتْفِلَنَّ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلاَ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ رِجْلِهِ‏.‏ فَهَذَا عُمُومٌ فِي الصَّلاَةِ وَغَيْرِهَا، وَأَمْرُ الصَّلاَةِ يَدْخُلُ فِي هَذَا الْخَبَرِ‏.‏ وَإِلَى كُلِّ هَذَا ذَهَبَ السَّلَفُ الطَّيِّبُ‏:‏

رُوِّينَا عَنْ طَاوُوس‏:‏ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بَزَقَ فِي الْمَسْجِدِ وَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ وَمَعَهُ شُعْلَةٌ مِنْ نَارٍ فَجَعَلَ يَتَّبِعُ الْبُزَاقَ حَتَّى دَفَنَهُ وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ‏:‏ كُنَّا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَأَرَادَ أَنْ يَبْصُقَ وَمَا عَنْ يَمِينِهِ فَارِغٌ؛ فَكَرِهَ أَنْ يَبْصُقَ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَيْسَ فِي صَلاَةٍ وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي نَصْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ مَرِيضًا فَقَالَ‏:‏ مَا بَصَقْتُ عَنْ يَمِينِي مُذْ أَسْلَمْتُ وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ ابْنَ نُعَيْمٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ لاِبْنِهِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَبَصَقَ عَنْ يَمِينِهِ وَهُوَ فِي مَسِيرٍ؛ فَنَهَاهُ عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ‏:‏ إنَّك تُؤْذِي صَاحِبَك، اُبْصُقْ عَنْ شِمَالِك‏.‏ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، حدثنا الْمُنْذِرُ بْنُ ثَعْلَبَةَ عَنْ هَمَّامِ بْنِ خُنَاسٍ قَالَ‏:‏ نَهَانِي ابْنُ عُمَرَ عَنْ أَنْ أَبْصُقَ عَنْ يَمِينِي فِي غَيْرِ صَلاَةٍ وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ قَالَ‏:‏ رَأَيْت عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ يُصَلِّي فَأَرَادَ أَنْ يَبْصُقَ فَلَمْ يَجِدْ عَنْ يَسَارِهِ مَوْضِعًا فَالْتَفَتَ خَلْفَهُ فَبَزَقَ‏.‏ وَعَنْ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى قَالَ‏:‏ دَخَلْت عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فَرَأَيْته دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ، فَأَرَادَ أَنْ يَبْزُقَ وَكَانَ الْحَائِطُ عَنْ يَسَارِهِ، فَالْتَفَتَ يَسَارَهُ حَتَّى أَخْرَجَ الْبُزَاقَ مِنْ الْمَسْجِدِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ هَؤُلاَءِ طَائِفَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

392 - مسألة

وَلاَ تَحِلُّ الصَّلاَةُ فِي عَطَنِ إبِلٍ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تَقِفُ فِيهِ الإِبِلُ عِنْدَ وُرُودِهَا الْمَاءَ وَتَبْرُكُ، وَفِي الْمَرَاحِ وَالْمَبِيتِ، فَإِنْ كَانَ لِرَأْسِ وَاحِدٍ مِنْ الإِبِلِ أَوْ لِرَأْسَيْنِ فَالصَّلاَةُ فِيهِ جَائِزَةٌ، وَإِنَّمَا تَحْرُمُ الصَّلاَةُ إذَا كَانَ لِثَلاَثَةٍ فَصَاعِدًا‏.‏ ‏[‏ ثُمَّ اسْتَدْرَكْنَا ‏.‏

فَقُلْنَا‏:‏ إنَّهُ لاَ تَجُوزُ الصَّلاَةُ أَلْبَتَّةَ فِي الْمَوْضِعِ الْمُتَّخَذِ لِبُرُوكِ جَمَلٍ وَاحِدٍ فَصَاعِدًا، وَلاَ فِي الْمُتَّخَذِ عَطَنًا لِبَعِيرٍ وَاحِدٍ فَصَاعِدًا؛ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏ وَالصَّلاَةُ إلَى الْبَعِيرِ جَائِزَةٌ وَعَلَيْهِ، فَإِنْ انْقَطَعَ أَنْ تَأْوِيَ الإِبِلُ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ حَتَّى يَسْقُطَ عَنْهُ اسْمُ عَطَنٍ‏:‏ جَازَتْ الصَّلاَةُ فِيهِ فَمَنْ صَلَّى فِي عَطَنِ إبِلٍ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ عَامِدًا كَانَ أَوْ جَاهِلاً‏.‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنِ الْجَحْدَرِيُّ وَالْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ؛ قَالَ أَبُو كَامِلٍ‏:‏ حدثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوهِبٍ؛ وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا‏:‏ حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ شَيْبَانَ كِلاَهُمَا عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَهُ‏:‏ أُصَلِّي فِي مَبَارِكِ الإِبِلِ قَالَ‏:‏ لاَ‏.‏ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا أَبُو عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى الْقَاضِي، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إذَا لَمْ تَجِدُوا إلاَّ مَرَابِضَ الْغَنَمِ وَأَعْطَانَ الإِبِلِ فَصَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، وَلاَ تُصَلُّوا فِي مَعَاطِنِ الإِبِلِ‏.‏

وَرُوِّينَا ذَلِكَ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ كِلاَهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏ فَهَذَا نَقْلُ تَوَاتُرٍ يُوجِبُ يَقِينَ الْعِلْمِ‏.‏ وَقَدْ احْتَجَّ بَعْضُ مَنْ خَالَفَ هَذَا بِأَنْ قَالَ‏:‏ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ فَذَكَرَ فِيهَا وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَحَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ فَصَلِّ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ وَهَذِهِ فَضِيلَةٌ، وَالْفَضَائِلُ لاَ تُنْسَخُ، وَذَكَرَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ‏}‏‏.‏

فَقُلْنَا‏:‏ إنَّ هَذَا كُلَّهُ حَقٌّ، وَلَيْسَ لِلنَّسْخِ هَهُنَا مَدْخَلٌ، وَالْوَاجِبُ اسْتِعْمَالُ كُلِّ هَذِهِ النُّصُوصِ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى ذَلِكَ إلاَّ بِأَنْ يُسْتَثْنَى الأَقَلُّ مِنْ الأَكْثَرِ، فَتُسْتَعْمَلَ جَمِيعًا حِينَئِذٍ، وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ مُخَالَفَةُ شَيْءٍ مِنْهَا، وَلاَ تَغْلِيبُ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ بِهَوَاهُ ثُمَّ نَسْأَلُ الْمُخَالِفَ‏:‏ عَنْ الصَّلاَةِ فِي كَنِيفٍ أَوْ مَزْبَلَةٍ إنْ كَانَ شَافِعِيًّا، أَوْ حَنَفِيًّا وَعَنْ صَلاَةِ الْفَرِيضَةِ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ إنْ كَانَ مَالِكِيًّا وَعَنْ الصَّلاَةِ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ إنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُمْ يَمْنَعُونَ مِنْ الصَّلاَةِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَيَخْتَصُّونَهَا مِنْ الآيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَمِنْ الْفَضِيلَةِ الْمَنْصُوصَةِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى وَذَكَرَ مَسْجِدَ الضِّرَارِ‏:‏ ‏{‏لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا‏}‏ فَحَرَّمَ الصَّلاَةَ فِيهِ وَهُوَ مِنْ الأَرْضِ

فَصَحَّ أَنَّ الْفَضِيلَةَ بَاقِيَةٌ، وَأَنَّ الأَرْضَ كُلَّهَا مَسْجِدٌ وَطَهُورٌ إلاَّ مَكَانًا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الصَّلاَةِ فِيهِ، فإن قيل‏:‏ قَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعِيرِهِ وَإِلَى بَعِيرِهِ

قلنا‏:‏ نَعَمْ وَمَنْ مَنَعَ هَذَا فَهُوَ مُبْطِلٌ، وَمَنْ صَلَّى عَلَى بَعِيرِهِ أَوْ إلَى بَعِيرِهِ فَلَمْ يُصَلِّ فِي عَطَنِ إبِلٍ، وَعَنْ هَذَا جَاءَ النَّهْيُ لاَ عَنْ الصَّلاَةِ إلَى الْبَعِيرِ‏.‏ وَقَدْ زَادَ بَعْضُهُمْ كَذِبًا وَجُرْأَةً وَافْتِرَاءً عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ إنَّمَا نَهَى عَنْ الصَّلاَةِ فِي مَعَاطِنِهَا وَمَبَارِكِهَا لِنِفَارِهَا وَاخْتِلاَطِهَا، أَوْ لاَِنَّ الرَّاعِيَ يَبُولُ بَيْنَهَا

قال علي‏:‏ وهذا كَذِبٌ مُجَرَّدٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِخْبَارٌ عَنْهُ بِالْبَاطِلِ وَبِمَا لَمْ يَقُلْهُ عليه السلام قَطُّ، وَلَوْ أُطْلِقَ مِثْلُ هَذَا عَلَى رَجُلٍ مِنْ عَرَضَ النَّاسِ لَكَانَ إثْمًا وَفِسْقًا، فَكَيْفَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ أَنَّهُ عليه السلام أَرَادَ مَا ذَكَرُوا لَبَيَّنَهُ ثُمَّ هَبْكَ أَنَّهُ كَمَا قَالُوا وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ النَّهْيَ وَالتَّحْرِيمَ بِذَلِكَ بَاقٍ كَمَا كَانَ، فَكَيْفَ يَسْتَحِلُّونَ أَنْ يُصَحِّحُوا النَّهْيَ وَيَدَّعُوا أَنَّهُ لِعِلَّةٍ يَذْكُرُونَهَا‏:‏ ثُمَّ يُبِيحُونَ مَا صَحَّ النَّهْيُ عَنْهُ هَذَا أَمْرٌ مَا نَدْرِي كَيْفَ هُوَ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْبَلاَءِ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ لاَ تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الإِبِلِ‏.‏ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ لَمْ يَجِدْ إلاَّ عَطَنَ إبِلٍ قَالَ‏:‏ لاَ يُصَلِّي فِيهِ، قَالَ‏:‏ فَإِنْ بَسَطَ عَلَيْهِ ثَوْبًا قَالَ‏:‏ لاَ، أَيْضًا‏.‏

وقال أحمد بْنُ حَنْبَلٍ‏:‏ مَنْ صَلَّى فِي عَطَنِ إبِلٍ أَعَادَ أَبَدًا، فإن قيل‏:‏ فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ فَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ الشَّيَاطِينِ‏.‏

قلنا‏:‏ نَعَمْ، هَذَا حَقّ، وَنَحْنُ نُقِرُّ بِهَذَا، وَلاَ اعْتِرَاضَ فِي هَذَا عَلَى نَهْيِهِ عليه السلام عَنْ الصَّلاَةِ فِي أَعْطَانِهَا

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَالْبَعِيرُ وَالْبَعِيرَانِ لاَ يُشَكُّ فِي أَنَّ الْمَوْضِعَ الْمُتَّخَذَ لِمَبْرَكِهِمَا أَوْ لِمَبْرَكِ أَحَدِهِمَا دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ مَبَارِكِ الإِبِلِ وَعَطَنِ الإِبِلِ، وَكُلُّ عَطَنٍ فَهُوَ مَبْرَكٌ‏.‏ وَلَيْسَ كُلُّ مَبْرَكٍ عَطَنًا؛ لاَِنَّ الْعَطَنَ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تُنَاخُ فِيهِ عِنْدَ وُرُودِهَا الْمَاءَ فَقَطْ، وَالْمَبْرَكُ أَعَمُّ؛ لاَِنَّهُ الْمَوْضِعُ الْمُتَّخَذُ لِبُرُوكِهَا فِي كُلِّ حَالٍ‏.‏ وَإِذَا سَقَطَ عَنْ الْعَطَنِ وَالْمَبْرَكِ اسْمُ عَطَنٍ وَمَبْرَكٍ فَلَيْسَ عَطَنًا، وَلاَ مَبْرَكًا؛ فَالصَّلاَةُ فِيهِ جَائِزَةٌ‏.‏

فأما قَوْلُنَا‏:‏ عَالِمًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَالَمٍ؛ فَلاَِنَّهُ أَتَى بِالصَّلاَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا وَمَكَانِهَا، وَالصَّلاَةُ لاَ تَصِحُّ إلاَّ فِي زَمَانٍ وَمَكَانٍ مَحْدُودَيْنِ، فَإِذَا لَمْ تُؤَدَّ فِي مَكَانِهَا وَزَمَانِهَا فَلَيْسَتْ هِيَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا، بَلْ هِيَ غَيْرُهَا‏.‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

393 - مسألة

وَلاَ تَحِلُّ الصَّلاَةُ فِي حَمَّامٍ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَبْدَأُ بَابِهِ إلَى مُنْتَهَى جَمِيعِ حُدُودِهِ، وَلاَ عَلَى سَطْحِهِ، وَمُسْتَوْقَدِهِ، وَسَقْفِهِ، وَأَعَالِي حِيطَانِهِ، خَرِبًا كَانَ أَوْ قَائِمًا‏:‏ فَإِنْ سَقَطَ مِنْ بِنَائِهِ شَيْءٌ فَسَقَطَ عَنْهُ اسْمُ ‏"‏ حَمَّامٍ ‏"‏ جَازَتْ الصَّلاَةِ فِي أَرْضِهِ حِينَئِذٍ‏.‏، وَلاَ فِي مَقْبَرَةٍ مَقْبَرَةَ مُسْلِمِينَ كَانَتْ أَوْ مَقْبَرَةَ كُفَّارٍ، فَإِنْ نُبِشَتْ وَأُخْرِجَ مَا فِيهَا مِنْ الْمَوْتَى جَازَتْ الصَّلاَةُ فِيهَا‏.‏ وَلاَ إلَى قَبْرٍ، وَلاَ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَنَّهُ قَبْرُ نَبِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلاَّ مَوْضِعَ قَبْرٍ أَوْ مَقْبَرَةٍ، أَوْ حَمَّامًا، أَوْ عَطَنًا، أَوْ مَزْبَلَةً، أَوْ مَوْضِعًا فِيهِ شَيْءٌ أُمِرَ بِاجْتِنَابِهِ‏:‏ فَلْيَرْجِعْ، وَلاَ وَيُصَلِّي هُنَالِكَ جُمُعَةً، وَلاَ جَمَاعَةَ، فَإِنْ حُبِسَ فِي مَوْضِعٍ مِمَّا ذَكَرْنَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي فِيهِ، وَيَجْتَنِبُ مَا اُفْتُرِضَ عَلَيْهِ اجْتِنَابُهُ بِسُجُودِهِ، لَكِنْ يُقَرِّبُ مِمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مَا أَمْكَنَهُ، وَلاَ يَضَعُ عَلَيْهِ جَبْهَةً، وَلاَ أَنْفًا، وَلاَ يَدَيْنِ، وَلاَ رُكْبَتَيْنِ، وَلاَ يَجْلِسُ إلاَّ الْقُرْفُصَاءَ؛ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ إلاَّ عَلَى الْجُلُوسِ، أَوْ الاِضْطِجَاعِ؛ صَلَّى كَمَا يَقْدِرُ وَأَجْزَأَهُ‏.‏ بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حدثنا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إلاَّ الْحَمَّامَ وَالْمَقْبَرَةَ‏.‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الرَّقِّيُّ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو الْبَزَّارُ، حدثنا أَبُو كَامِلٍ هُوَ الْجَحْدَرِيُّ، حدثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، حدثنا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى الْمَازِنِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إلاَّ الْحَمَّامَ وَالْمَقْبَرَةَ‏.‏ قَالَ الْبَزَّارُ‏:‏ أَسْنَدَهُ أَيْضًا عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى أَبُو طُوَالَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ قَالَ بَعْضُ مَنْ لاَ يَتَّقِي عَاقِبَةَ كَلاَمِهِ فِي الدَّيْنِ‏:‏ هَذَا حَدِيثٌ أَرْسَلَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَشَكَّ فِي إسْنَادِهِ مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ فَكَانَ مَاذَا لاَ سِيَّمَا وَهُمْ يَقُولُونَ‏:‏ إنَّ الْمُسْنَدَ كَالْمُرْسَلِ، وَلاَ فَرْقَ ثُمَّ أَيُّ مَنْفَعَةٍ لَهُمْ فِي شَكِّ مُوسَى وَلَمْ يَشُكَّ حَجَّاجٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَوْقَ مُوسَى فَلَيْسَ دُونَهُ أَوْ فِي إرْسَالِ سُفْيَانَ وَقَدْ أَسْنَدَهُ حَمَّادٌ، وَعَبْدُ الْوَاحِدِ، وَأَبُو طُوَالَةَ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَكُلُّهُمْ عَدْلٌ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَسُورُ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الدِّينَوَرِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ بِنْدَارٌ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ سَمِعْت أَبَا إدْرِيسِ الْخَوْلاَنِيِّ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ وَاثِلَةَ بْنَ الأَسْقَعِ يَقُولُ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ يَقُولُ‏:‏ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ لاَ تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ، وَلاَ تُصَلُّوا إلَيْهَا‏.‏

حدثنا حمام، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا الدُّبَيْرِيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ‏:‏ أَنَّ عَائِشَةَ وَابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَاهُ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ جَعَلَ يُلْقِي عَلَى وَجْهِهِ طَرَفَ خَمِيصَةٍ لَهُ، فَإِذَا اغْتَمَّ كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، وَهُوَ يَقُولُ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ، تَقُولُ عَائِشَةُ يُحَذِّرُ مِثْلَ مَا صَنَعُوا‏.‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَاللَّفْظُ لَهُ‏:‏ قَالَ إِسْحَاقُ‏:‏ أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عُدَيٍّ‏.‏ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ‏:‏ حدثنا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عُدَيٍّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ النَّجْرَانِيِّ حَدَّثَنِي جُنْدُبٌ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ‏:‏ ‏"‏ وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، أَلاَ فَلاَ تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، إنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ عليه السلام أَرَادَ بِذَلِكَ قُبُورَ الْمُشْرِكِينَ فَقَدْ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لاَِنَّهُ عليه السلام عَمَّ بِالنَّهْيِ جَمِيعَ الْقُبُورِ، ثُمَّ أَكَّدَ بِذَمِّهِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي قُبُورِ الأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ تُوجِبُ مَا ذَكَرْنَاهُ حَرْفًا حَرْفًا، وَلاَ يَسَعُ أَحَدًا تَرْكُهَا‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ طَوَائِفُ مِنْ السَّلَفِ، رضي الله عنهم‏.‏

رُوِّينَا عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ يَنْهَى أَنْ يُصَلَّى وَسَطَ الْقُبُورِ وَالْحَمَّامِ، وَالْحُشَّانِ‏.‏ وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ لاَ تُصَلِّيَنَّ إلَى حُشٍّ، وَلاَ فِي حَمَّامٍ، وَلاَ فِي مَقْبَرَةٍ

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ مَا نَعْلَمُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم،، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ مِثْلَ هَذَا إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ‏:‏ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا ثَلاَثَ أَبْيَاتٍ قِبْلَةً‏:‏ الْحُشُّ، وَالْحَمَّامُ، وَالْقَبْرُ وَعَنِ الْعَلاَءِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمَا قَالاَ‏:‏ لاَ تُصَلِّ إلَى حَمَّامٍ، وَلاَ إلَى حُشٍّ، وَلاَ وَسَطَ مَقْبَرَةٍ‏.‏

وقال أحمد بْنُ حَنْبَلٍ‏:‏ مَنْ صَلَّى فِي حَمَّامٍ أَعَادَ أَبَدًا وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ‏:‏ رَآنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أُصَلِّي إلَى قَبْرٍ فَنَهَانِي، وَقَالَ‏:‏ الْقَبْرُ أَمَامَك‏.‏ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ‏:‏ رَآنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أُصَلِّي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ لِي‏:‏ الْقَبْرَ لاَ تُصَلِّ إلَيْهِ قَالَ ثَابِتٌ‏:‏ فَكَانَ أَنَسٌ يَأْخُذُ بِيَدِي إذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ فَيَتَنَحَّى عَنْ الْقُبُورِ‏.‏ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ‏:‏ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ‏:‏ لاَ تُصَلُّوا إلَى قَبْرٍ، وَلاَ عَلَى قَبْرٍ وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ‏:‏ قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ‏.‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ قُلْت لِعَطَاءٍ‏:‏ أَتَكْرَهُ أَنْ تُصَلِّيَ وَسَطَ الْقُبُورِ أَوْ إلَى قَبْرٍ قَالَ‏:‏ نَعَمْ كَانَ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ لاَ تُصَلِّ وَبَيْنَك وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ قَبْرٌ؛ فَإِنْ كَانَ بَيْنَك وَبَيْنَهُ سُتْرَةُ ذِرَاعٍ فَصَلِّ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ وَسُئِلَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ الصَّلاَةِ وَسَطَ الْقُبُورِ فَقَالَ‏:‏ ذَكَرُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ كَانَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ فَلَعَنَهُمْ اللَّهُ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُوس عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ لاَ أَعْلَمُهُ إلاَّ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الصَّلاَةَ وَسَطَ الْقُبُورِ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ‏:‏ كَانُوا إذَا خَرَجُوا فِي جِنَازَةٍ تَنَحَّوْا عَنْ الْقُبُورِ لِلصَّلاَةِ

وقال أحمد بْنُ حَنْبَلٍ‏:‏ مَنْ صَلَّى فِي مَقْبَرَةٍ أَوْ إلَى قَبْرٍ أَعَادَ أَبَدًا

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ فَهَؤُلاَءِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ؛ وَأَنَسٌ، وَابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ مَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَكَرِهَ الصَّلاَةَ إلَى الْقَبْرِ، وَفِي الْمَقْبَرَةِ، وَعَلَى الْقَبْرِ‏:‏ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَسُفْيَانُ، وَلَمْ يَرَ مَالِكٌ بِذَلِكَ بَأْسًا، وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى قَبْرِ الْمِسْكِينَةِ السَّوْدَاء‏.‏ِ

قال علي‏:‏ وهذا عَجَبٌ نَاهِيك بِهِ أَنْ يَكُونَ هَؤُلاَءِ الْقَوْمُ يُخَالِفُونَ هَذَا الْخَبَرَ فِيمَا جَاءَ فِيهِ، فَلاَ يُجِيزُونَ أَنْ تُصَلَّى صَلاَةُ الْجِنَازَةِ عَلَى مَنْ قَدْ دُفِنَ ثُمَّ يَسْتَبِيحُونَ بِمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْ أَثَرٍ، وَلاَ إشَارَةٍ مُخَالَفَةَ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَكُلُّ هَذِهِ الآثَارِ حَقٌّ، فَلاَ تَحِلُّ الصَّلاَةُ حَيْثُ ذَكَرْنَا، إلاَّ صَلاَةَ الْجِنَازَةِ فَإِنَّهَا تُصَلَّى فِي الْمَقْبَرَةِ، وَعَلَى الْقَبْرِ الَّذِي قَدْ دُفِنَ فِيهِ صَاحِبُهُ، كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُحَرِّمُ مَا نَهَى عَنْهُ، وَنَعُدُّ مِنْ الْقُرْبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ نَفْعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ؛ فَأَمْرُهُ وَنَهْيُهُ حَقٌّ، وَفِعْلُهُ حَقٌّ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَبَاطِلٌ؛ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُنَا‏:‏ أَنْ يَرْجِعَ مَنْ لَمْ يَجِدْ مَوْضِعًا غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَجِدْ مَوْضِعًا تَحِلُّ فِيهِ الصَّلاَةُ؛ وَكَذَلِكَ لَوْ وَجَدَ زِحَامًا لاَ يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى رُكُوعٍ، وَلاَ سُجُودٍ

وَأَمَّا الْمَحْبُوسُ فَلَيْسَ قَادِرًا عَلَى مُفَارَقَةِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَلاَ عَلَى الصَّلاَةِ فِي غَيْرِهِ، فَلَهُ حُكْمُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ يَقُولُ‏:‏ إذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَهَذَا يُسْقِطُ عَنْهُ مَا عَجَزَ عَنْهُ، وَيَلْزَمُهُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ، وَيَجْتَنِبُ مَا قَدَرَ عَلَى اجْتِنَابِهِ مِمَّا نُهِيَ عَنْهُ‏.‏

قَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا‏}‏‏.‏

394 - مسألة

وَلاَ تَجُوزُ الصَّلاَةُ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ، وَلاَ مُتَمَلَّكَةٍ بِغَيْرِ حَقٍّ مِنْ بَيْعٍ فَاسِدٍ أَوْ هِبَةٍ فَاسِدَةٍ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ سَائِرِ الْوُجُوهِ‏.‏

وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ فِي سَفِينَةٍ مَغْصُوبَةٍ أَوْ فِيهَا لَوْحٌ مَغْصُوبٌ لَوْلاَهُ لَغَرَّقَهَا الْمَاءُ، فَإِنَّهُ إنْ قَدَرَ عَلَى الْخُرُوجِ عَنْهَا فَصَلاَتُهُ بَاطِلَةٌ‏.‏

وَكَذَلِكَ الصَّلاَةُ عَلَى وِطَاءٍ مَغْصُوبٍ أَوْ مَأْخُوذٍ بِغَيْرِ حَقٍّ‏.‏ أَوْ عَلَى دَابَّةٍ مَأْخُوذَةٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوْ فِي ثَوْبٍ مَأْخُوذٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوْ فِي بِنَاءٍ مَأْخُوذٍ بِغَيْرِ حَقٍّ

وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَسَامِيرُ السَّفِينَةِ مَغْصُوبَةً، أَوْ خُيُوطُ الثَّوْبِ الَّذِي خِيطَ بِهَا مَغْصُوبَةً‏.‏ أَوْ أُخِذَ كُلُّ ذَلِكَ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَإِنْ كَانَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى مُفَارَقَةِ ذَلِكَ الْمَكَانِ أَصْلاً، وَلاَ عَلَى الْخُرُوجِ عَنْ السَّفِينَةِ أَوْ كَانَ اللَّوْحُ لاَ يَمْنَعُ الْمَاءَ مِنْ الدُّخُولِ، أَوْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَظِلٍّ بِذَلِكَ الْبِنَاءِ، وَلاَ مُسْتَتِرًا بِهِ، أَوْ كَانَ قَدْ يَئِسَ ‏[‏ مِنْ مَعْرِفَةِ مَنْ أُخِذَ مِنْهُ ذَلِكَ الشَّيْءُ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوْ كَانَتْ سَفِينَةً أَوْ بِنَاءً لَمْ يُغْصَبْ شَيْءٌ مِنْ أَعْيَانِهَا لَكِنْ سَخَّرَ النَّاسَ فِيهَا ظُلْمًا‏:‏ فَالصَّلاَةُ فِي كُلِّ ذَلِكَ جَائِزَةٌ، قَدَرَ عَلَى مُفَارَقَةِ ذَلِكَ الْمَكَانِ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ‏.‏

وَكَذَلِكَ إنْ خَشِيَ الْبَرْدَ وَأَذَاهُ، أَوْ الْحَرَّ وَأَذَاهُ، فَلَهُ أَنْ يُصَلِّي فِي الثَّوْبِ الْمَأْخُوذِ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ وَعَلَيْهِ إذَا كَانَ صَاحِبُهُ غَيْرَ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ؛ وَإِلاَّ فَلاَ؛ وَكَذَلِكَ الأَرْضُ الْمُبَاحَةُ الَّتِي لَمْ يَحْظُرْهَا صَاحِبُهَا، وَلاَ مَنَعَ مِنْهَا، فَالصَّلاَةُ فِيهَا جَائِزَةٌ بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ‏}‏‏.‏

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ صَحَّ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَنُبَيْطِ بْنِ شَرِيطٍ الأَشْجَعِيِّ‏.‏

وَقَالَ عليه السلام‏:‏ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ‏.‏ فَإِذَا كَانَ مَنْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الدُّخُولَ إلَى مَكَان مَا، وَالإِقَامَةَ فِيهِ، وَلِبَاسَ ثَوْبٍ مَا، وَالتَّصَرُّفَ فِيهِ، أَوْ اسْتِعْمَالَ شَيْءٍ مَا‏:‏ فَفَعَلَ فِي صَلاَتِهِ كُلَّ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ؛ وَمَنْ لَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ فَلَمْ يُصَلِّ أَصْلاً، وَالصَّلاَةُ طَاعَةٌ وَفَرِيضَةٌ، قِيَامُهَا وَقُعُودُهَا وَالإِقَامَةُ فِيهَا، وَبَعْضُ اللِّبَاسِ فِيهَا، فَإِذَا قَعَدَ حَيْثُ نُهِيَ عَنْهُ؛ أَوْ عَمِلَ مُتَصَرِّفًا فِيمَا حَرُمَ أَوْ اسْتَعْمَلَ مَا حَرُمَ عَلَيْهِ‏:‏ فَإِنَّمَا أَتَى بِعَمَلِ مَعْصِيَةٍ، وَقُعُودِ مَعْصِيَةٍ، مِنْ الْبَاطِلِ أَنْ تَنُوبَ الْمَعْصِيَةُ الْمُحَرَّمَةُ عَنْ الطَّاعَةِ الْمُفْتَرَضَةِ، وَأَنْ يُجْزِئَ الضَّلاَلُ وَالْفُسُوقُ عَنْ الْهُدَى وَالْحَقِّ وَقَدْ عَارَضَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَعَسِّفِينَ فَقَالَ‏:‏ يَلْزَمُكُمْ إذَا طَلَّقَ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْتُمْ، أَوْ أَعْتَقَ فِيهِ، أَوْ نَكَحَ فِيهِ، أَوْ بَاعَ فِيهِ، أَوْ اشْتَرَى، أَوْ وَهَبَ؛ أَوْ تَصَدَّقَ‏:‏ أَنْ تَنْقُضُوا كُلَّ ذَلِكَ‏.‏

وَكَذَلِكَ مَنْ صَبَغَ لِحْيَتَهُ بِحِنَّاءٍ مَغْصُوبَةٍ ثُمَّ صَلَّى وَمَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ مِنْ مُصْحَفٍ مَسْرُوقٍ أَنْ يَنْسَاهُ، أَوْ عَلَّمَهُ إيَّاهُ عَبْدٌ آبِقٌ، وَأَكْثَرُوا مِنْ مِثْلِ هَذِهِ الْحَمَاقَاتِ وَقَالُوا‏:‏ كُلُّ مَنْ ذَكَرْتُمْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ صَلَّى مُصِرًّا عَلَى الزِّنَى، وَقَتْلِ النَّفْسِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَالسَّرِقَةِ، وَلاَ فَرْقَ

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ لَيْسَ شَيْءٌ مِمَّا قَالُوا مِنْ بَابِ مَا قلنا، لاَِنَّ الصَّلاَةَ لاَ بُدَّ فِيهَا مِنْ إقَامَةٍ فِي مَكَان وَاحِدٍ، وَمِنْ جُلُوسٍ مُفْتَرَضٍ‏.‏ وَمِنْ سَتْرِ عَوْرَةٍ، وَمِنْ تَرْكِ كُلِّ عَمَلٍ لَمْ يُبَحْ لَهُ فِي الصَّلاَةِ، وَمِنْ زَمَانٍ مَحْدُودٍ مُؤَقَّتٍ لَهَا، وَمِنْ مَكَان مَوْصُوفٍ لَهَا، وَمِنْ مَاءٍ يَتَطَهَّرُ بِهِ أَوْ تُرَابٍ يَتَيَمَّمُ بِهِ إنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ، هَذَا مَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، وَلاَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ وَلَيْسَ الطَّلاَقُ، وَلاَ النِّكَاحُ، وَلاَ الْعَتَاقُ، وَلاَ الْبَيْعُ، وَلاَ الْهِبَةُ، وَلاَ الصَّدَقَةُ، وَلاَ تَعَلُّمُ الْقُرْآنِ‏.‏ مُعَلَّقًا بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا، وَلاَ مَأْمُورًا فِيهِ بِهَيْئَةٍ مَا، وَلاَ بِجُلُوسٍ، وَلاَ بُدَّ، وَلاَ بِقِيَامٍ عَلَى صِفَةٍ، وَلاَ بِمَكَانٍ مَوْصُوفٍ، لَكِنْ كُلُّ هَذِهِ الأَعْمَالِ أَيْضًا مُحْتَاجَةٌ، وَلاَ بُدَّ إلَى أَلْفَاظٍ مَوْضُوعَةٍ، أَوْ أَعْمَالٍ مَحْدُودَةٍ، وَأَوْقَاتٍ مَحْدُودَةٍ، فَكُلُّ مَنْ أَتَى بِالصَّلاَةِ، أَوْ النِّكَاحِ، أَوْ الطَّلاَقِ، أَوْ الْبَيْعِ، أَوْ الْهِبَةِ، أَوْ الصَّدَقَةِ، عَلَى خِلاَفِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ كُلُّهُ بَاطِلٌ لاَ يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ لاَ طَلاَقٌ، وَلاَ نِكَاحٌ، وَلاَ عَتَاقٌ، وَلاَ هِبَةٌ، وَلاَ صَدَقَةٌ، وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ الشَّرِيعَةِ، وَلاَ فَرْقَ فَمَنْ صَلَّى فَجَعَلَ الْجُلُوسَ الْمُحَرَّمَ عَلَيْهِ بَدَلَ الْجُلُوسِ الْمَأْمُورِ بِهِ؛ وَالإِقَامَةَ الْمُحَرَّمَةَ عَلَيْهِ بَدَلَ الإِقَامَةِ الْمُفْتَرَضَةِ عَلَيْهِ؛ وَسَتَرَ عَوْرَتَهُ بِمَا حَرُمَ عَلَيْهِ سَتْرُهَا بِهِ؛ وَأَتَى بِهَا فِي غَيْرِ الزَّمَانِ الَّذِي أُمِرَ بِأَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِيهِ، أَوْ فِي غَيْرِ الْمَكَانِ الَّذِي أُمِرَ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِيهِ، وَعَوَّضَ مِنْ ذَلِكَ زَمَانًا وَمَكَانًا حَرُمَا عَلَيْهِ؛ وَعَوَّضَ الْمَاءَ الْمُحَرَّمَ عَلَيْهِ، أَوْ التُّرَابَ الْمُحَرَّمَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ الْمَأْمُورِ بِهِ، أَوْ التُّرَابِ الْمَأْمُورِ بِهِ‏:‏ فَلَمْ يُصَلِّ قَطُّ الصَّلاَةَ الَّتِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا؛ وَهُوَ وَاَلَّذِي صَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ عَمْدًا سَوَاءٌ، وَلاَ فَرْقَ؛ وَكِلاَهُمَا صَلَّى بِخِلاَفِ مَا أُمِرَ بِهِ

وَكَذَلِكَ مَنْ طَلَّقَ أَجْنَبِيَّةً، أَوْ بِغَيْرِ الْكَلاَمِ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الطَّلاَقَ بِهِ وَحَرُمَ بِهِ الْفَرْجُ الَّذِي كَانَ حَلاَلاً، أَوْ نَكَحَ ذَاتَ زَوْجٍ؛ أَوْ فِي عِدَّةٍ، أَوْ بِغَيْرِ الْكَلاَمِ الَّذِي أَبَاحَ بِهِ النِّكَاحَ وَحُلِّلَ بِهِ الْفَرْجُ الْحَرَامُ قَبْلَهُ؛ أَوْ بَاعَ بَيْعًا مُحَرَّمًا؛ أَوْ اشْتَرَى مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ؛ أَوْ وَهَبَ هِبَةً لَمْ يُطْلِقْ عَلَيْهَا، أَوْ أَعْتَقَ عِتْقًا حَرُمَ عَلَيْهِ؛ كَمَنْ أَعْتَقَ غُلاَمَ غَيْرِهِ، أَوْ تَصَدَّقَ بِثَوْبٍ عَلَى الأَوْثَانِ فَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ، لاَ يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهُ، وَلَيْسَ تَبْطُلُ شَرِيعَةٌ بِمَا تَبْطُلُ بِهِ أُخْرَى؛ لَكِنْ بِأَنْ يَعْمَلَ بِخِلاَفِ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ تُعْمَلَ عَلَيْهِ وَاَلَّذِي صَبَغَ لِحْيَتَهُ بِحِنَّاءٍ مَغْصُوبَةٍ، فَإِنْ صَلَّى حَامِلاً لِتِلْكَ الْحِنَّاءِ فَلاَ صَلاَةَ لَهُ‏.‏

وَأَمَّا إذَا نَزَعَهَا وَلَمْ يُصَلِّ بِهَا فَاللَّوْنُ غَيْرُ مُتَمَلَّكٍ فَلَمْ يُصَلِّ بِخِلاَفِ مَا أُمِرَ

وَأَمَّا الْمُصِرُّ عَلَى الْمَعَاصِي فَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مِنْ أُمَّتِهِ فَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ عَنْ كُلِّ مَا حَدَّثَ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، فَهَذَا مَعْفُوٌّ لَهُ عَنْهُ، فإن قيل‏:‏ فَأَنْتُمْ تُبْطِلُونَ صَلاَةَ مَنْ نَوَى خُرُوجَهُ مِنْ الصَّلاَةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ، وَلاَ قَالَ

قلنا‏:‏ بَلَى قَدْ عَمِلَ، لاَِنَّهُ بِنِيَّتِهِ تِلْكَ صَارَ وُقُوفُهُ إنْ كَانَ وَاقِفًا؛ وَقُعُودُهُ إنْ كَانَ قَاعِدًا؛ وَرُكُوعُهُ إنْ كَانَ رَاكِعًا؛ وَسُجُودُهُ إنْ كَانَ سَاجِدًا‏:‏ عَمَلاً يَعْمَلُهُ ظَاهِرًا لِغَيْرِ الصَّلاَةِ؛ فَقَدْ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ؛ إذْ حَالَ عَامِدًا بَيْنَ أَعْمَالِهَا بِمَا لَيْسَ مِنْهَا؛ لَكِنْ لَوْ نَوَى أَنْ يُبْطِلَهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهِ ذَلِكَ لَمْ تَبْطُلْ بِذَلِكَ صَلاَتُهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ عَجَزَ عَنْ الْمُفَارَقَةِ لِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلاَّ مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ‏}‏ وَأَخْبَرَ عليه السلام‏:‏ أَنَّهُ عَفَا اللَّهُ عَنْ أُمَّتِهِ الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ؛ فَهَذَا مُضْطَرٌّ مُكْرَهٌ؛ فَلاَ تَبْطُلُ صَلاَتُهُ إلاَّ بِنَصٍّ جَلِيٍّ فِي إبْطَالِهَا بِذَلِكَ، كَالْحَدَثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُ التَّمَادِي فِي الصَّلاَةِ إثْرَهُ إلاَّ بِإِحْدَاثِ وُضُوءٍ

وَأَمَّا السَّفِينَةُ، وَالْبِنَاءُ الَّذِي سُخِّرَ النَّاسُ ظُلْمًا فِيهِمَا فَلَيْسَ هُنَاكَ عَيْنٌ مُحَرَّمَةٌ كَانَ الْمُصَلِّي مُسْتَعْمِلاً لَهَا، وَالآثَارُ لاَ تُتَمَلَّكُ، فَإِنْ يَئِسَ مِنْ مَعْرِفَةِ صَاحِبِهِ فَقَدْ صَارَ مِنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ أَحَدُهُمْ فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ حِينَئِذٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

395 - مسألة

وَلاَ تَحِلُّ الصَّلاَةُ لِلرَّجُلِ خَاصَّةً فِي ثَوْبٍ فِيهِ حَرِيرٌ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ أَصَابِعَ عَرْضًا فِي طُولِ الثَّوْبِ، إلاَّ اللَّبِنَةَ وَالتَّكْفِيفَ فَهُمَا مُبَاحَانِ، وَلاَ فِي ثَوْبٍ فِيهِ ذَهَبٌ، وَلاَ لاَبِسًا ذَهَبًا فِيهِ خَاتَمٌ، وَلاَ فِي غَيْرِهِ‏.‏ فَإِنْ أُجْبِرَ عَلَى لِبَاسِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَوْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ خَوْفَ الْبَرْدِ‏:‏ حَلَّ لَهُ الصَّلاَةُ فِيهِ‏.‏ أَوْ كَانَ بِهِ دَاءٌ يُتَدَاوَى مِنْ مِثْلِهِ بِلِبَاسِ الْحَرِيرِ‏:‏ فَالصَّلاَةُ لَهُ فِيهِ جَائِزَةٌ

وَكَذَلِكَ لَوْ حَمَلَ ذَهَبًا لَهُ فِي كُمِّهِ لِيُحْرِزَهُ، أَوْ حَرِيرًا أَوْ ثَوْبَ حَرِيرٍ كَذَلِكَ فَصَلاَتُهُ تَامَّةٌ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالُوا‏:‏ حدثنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ‏:‏ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَطَبَ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ ‏"‏ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحَرِيرِ إلاَّ مَوْضِعَ إصْبَعَيْنِ أَوْ ثَلاَثٍ أَوْ أَرْبَعٍ‏.‏

وبه إلى مُسْلِمٍ‏:‏ حدثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حدثنا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، حدثنا نَافِعٌ عن ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا عَلِيٌّ، هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ، حدثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، حدثنا أَبِي قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عن ابْنِ أَبِي لَيْلَى هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَنْ نَأْكُلَ فِيهَا، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَسَدٍ الْكَازَرُونِيُّ، حدثنا الدُّبَيْرِيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لِلإِنَاثِ مِنْ أُمَّتِي وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهَا‏.‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمٌ الْحَجَّاجُ، حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حدثنا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ، حدثنا قَتَادَةُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَكَا إلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ‏:‏ الْقَمْلَ، فَرَخَّصَ لَهُمَا فِي قُمُصِ الْحَرِيرِ‏.‏

وبه إلى مُسْلِمٍ‏:‏ حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ فِي الْقُمُصِ الْحَرِيرِ لِحَكَّةٍ كَانَتْ بِهِمَا أَوْ وَجَعٍ‏.‏

وبه إلى مُسْلِمٍ‏:‏ حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، حدثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الطَّحَّانُ عن ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ‏"‏ أَنَّ أَسْمَاءَ أَخْرَجَتْ إلَيْهِ جُبَّةً طَيَالِسِيَّةً كِسْرَوَانِيَّةً لَهَا لَبِنَةُ دِيبَاجٍ فَرْجَاهَا مَكْنُوفَانِ بِالدِّيبَاجِ، فَقَالَتْ‏:‏ هَذِهِ جُبَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ حَتَّى قُبِضَتْ فَقَبَضْتُهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهَا، فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرْضَى يُسْتَشْفَى بِهَا‏.‏ وَمَسُّ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ وَمِلْكُهُمَا وَحَمْلُهُمَا حَلاَلٌ بِالنَّصِّ وَالإِجْمَاعِ، فإن قيل‏:‏ قَدْ رُوِيَ لِبَاسُ الْخَزِّ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، قلنا‏:‏ قَدْ جَاءَ تَحْرِيمُهُ عَنْ بَعْضِهِمْ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا‏:‏ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه جَهَّزَ جَيْشًا فَغَنِمُوا فَاسْتَقْبَلَهُمْ عُمَرُ فَرَآهُمْ قَدْ لَبِسُوا أَقْبِيَةَ الدِّيبَاجِ وَلِبَاسَ الْعَجَمِ، فَأَعْرَضَ عَنْهُمْ وَقَالَ‏:‏ أَلْقُوا عَنْكُمْ ثِيَابَ أَهْلِ النَّارِ فَأَلْقَوْهَا‏.‏ وَعَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ سَمِعْت الشَّعْبِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ‏:‏ أَصَبْنَا فُتُوحًا بِالشَّامِ فَأَتَيْنَا الْمَدِينَةَ، فَلَمَّا دَنَوْنَا لَبِسْنَا الدِّيبَاجَ وَالْحَرِيرَ، فَلَمَّا رَآنَا عُمَرُ رَمَانَا، فَنَزَعْنَاهَا، فَلَمَّا رَآنَا قَالَ‏:‏ مَرْحَبًا بِالْمُهَاجِرِينَ إنَّ الْحَرِيرَ وَالدِّيبَاجَ لَمْ يَرْضَ اللَّهُ بِهِ لِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَيَرْضَى بِهِ عَنْكُمْ لاَ يَصْلُحُ مِنْهُ إلاَّ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا قَالَ شُعْبَةُ‏:‏ أُصْبُعَيْنِ، أَوْ ثَلاَثًا، أَوْ أَرْبَعًا‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي الْخَيْرِ‏:‏ أَنَّهُ سَأَلَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ عَنْ لَبِنَةٍ حَرِيرٍ فِي جُبَّتِهِ قَالَ‏:‏ لَيْسَ بِهَا بَأْسٌ وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ‏:‏ أَنَا هِشَامٌ، هُوَ ابْنُ حَسَّانَ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي ذُبْيَانَ هُوَ خَلِيفَةُ بْنُ كَعْبٍ‏:‏ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سَمِعَ الْخَبَرَ فِي أَنَّ ‏"‏ مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الآخِرَةِ ‏"‏ فَقَالَ‏:‏ إذَنْ وَاَللَّهِ لاَ يَدْخُلُهَا، قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ‏}‏ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى‏:‏ حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ، هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عُمَرَ‏:‏ اجْتَنِبُوا مِنْ الثِّيَابِ مَا خَالَطَهُ الْحَرِيرُ وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ زُبَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ رِبْعِيٍّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ حَرِيرٍ أَلْبَسَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثَوْبًا مِنْ نَارٍ، لَيْسَ مِنْ أَيَّامِكُمْ وَلَكِنْ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ الطِّوَالِ‏.‏ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ‏:‏ أَنَّهُ رَأَى رَجُلاً لاَبِسًا جُبَّةً عَلَى صَدْرِهَا دِيبَاجٌ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ‏:‏ مَا هَذَا النَّتِنُ عَلَى صَدْرِك وَعَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ سَمِعْت عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ قَالَ‏:‏ كُنْت عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ فَجَاءَهُ ابْنٌ لَهُ عَلَيْهِ قَمِيصُ حَرِيرٍ فَشَقَّهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَعَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ‏:‏ مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الآخِرَةِ فَإِذَا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ، رضي الله عنهم، فَالْفَرْضُ الرَّدُّ عِنْدَ تَنَازُعِهِمْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَدْ بَاعَ سَمُرَةُ خَمْرًا، وَأَكَلَ أَبُو طَلْحَةَ الْبَرَدَ وَهُوَ صَائِمٌ، وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏، وَلاَ يَصِحُّ فِي الرُّخْصَةِ فِي الثَّوْبِ سَدَاهُ حَرِيرٌ‏:‏ خَبَرٌ أَصْلاً، لاَِنَّ الرِّوَايَةَ فِيهِ عن ابْنِ عَبَّاسٍ انْفَرَدَ بِهَا خُصَيْفٌ، وَهُوَ ضَعِيفٌ‏.‏ فَكَيْفَ وَكُلُّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَبِسَ الْخَزَّ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الأَخْبَارِ أَنَّهُمْ عَرَفُوا أَنَّ سَدَاهَا حَرِيرٌ‏.‏

رُوِّينَا عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَامِرِ بْنِ عُبَيْدَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ‏:‏ رَأَيْت عَلَى أَنَسٍ جُبَّةَ خَزٍّ فَسَأَلْته عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ‏:‏ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّهَا وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ قَالَ‏:‏ رَأَيْت عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ جُبَّةَ خَزٍّ وَكِسَاءَ خَزٍّ وَأَنَا أَطُوفُ بِالْبَيْتِ مَعَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ‏:‏ لَوْ أَدْرَكَهُ السَّلَفُ لاََوْجَعُوهُ‏.‏ فَهَذَا يُوَضِّحُ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُحَرِّمُونَ ذَلِكَ، إذْ لاَ يُوجِعُونَ عَلَى مُبَاحٍ‏.‏ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، أَنَّهُ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحَرِيرِ أَشَدَّ النَّهْيِ ‏"‏ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ‏:‏ أَلَيْسَ هَذَا عَلَيْكَ حَرِيرًا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ‏:‏ سُبْحَانَ اللَّهِ هَذَا خَزٌّ، قَالَ‏:‏ بَلَى، وَلَكِنْ سَدَاهُ حَرِيرٌ، قَالَ‏:‏ مَا شَعُرْتُ‏.‏ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ‏:‏ أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُتَّخَذَ لَهُ ثَوْبٌ مِنْ خَزٍّ سَدَاهُ كَتَّانٌ‏.‏ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى نَحْوُ ذَلِكَ‏.‏ وَلاَ يَخْلُو كُلُّ مَنْ رَوَى عَنْهُ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، أَنَّهُ لَبِسَ مِنْ أَحَدِ وُجُوهٍ ثَلاَثَةٍ‏:‏ إمَّا أَنْ سَدَى تِلْكَ الثِّيَابِ كَانَ كَتَّانًا‏.‏

وَأَمَّا أَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ حَرِيرٌ؛ وَهَذَا هُوَ الَّذِي لاَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ غَيْرُهُ‏.‏

وَأَمَّا أَنَّهُمْ اسْتَغْفَرُوا اللَّهَ تَعَالَى مِنْ لِبَاسِهِ، فَأَقَلُّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِهِمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُغَطِّي عَلَى أَضْعَافِ هَذَا، وَلَيْسَ غَيْرُهُمْ مِثْلَهُمْ، فَنِصْفُ مُدِّ شَعِيرٍ يَتَصَدَّقُ بِهِ أَحَدُهُمْ يَفْضُلُ جَمِيعَ أَعْمَالِ أَحَدِنَا لَوْ عَمَّرَ مِائَةَ سَنَةٍ؛ لاَِنَّ نِصْفَ مُدِّ أَحَدِهِمْ أَفْضَلُ مِنْ جَبَلِ أَحَدٍ ذَهَبًا نُنْفِقُهُ نَحْنُ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ؛ وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا يُنْفِقُ فِي الْبِرِّ زِنَةَ حَجَرٍ ضَخْمٍ مِنْ حِجَارَةِ أَحَدٍ فَكَيْفَ الْجَبَلُ كُلُّهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ خَوْفَ الْبَرْدِ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرُمَ عَلَيْكُمْ إلاَّ مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ‏}‏‏.‏

396 - مسألة

وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ فِي رُكُوعِهِ، وَلاَ فِي سُجُودِهِ، فَإِنْ تَعَمَّدَ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ، وَإِنْ نَسِيَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ اطْمَأَنَّ وَسَبَّحَ كَمَا أُمِرَ أَجْزَأَهُ سُجُودُ السَّهْوِ وَتَمَّتْ صَلاَتُهُ؛ لاَِنَّهُ زَادَ فِي صَلاَتِهِ سَاهِيًا مَا لَيْسَ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ أَلْغَى تِلْكَ السَّجْدَةَ أَوْ الرَّكْعَةَ وَكَانَ كَأَنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا، وَأَتَمَّ صَلاَتَهُ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ، لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ كَمَا أُمِرَ، وَقَدْ قَالَ عليه السلام‏:‏ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ‏.‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ أَنَا زُهَيْرِ بْنُ حَرْبٍ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ سُحَيْمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّتَارَةَ وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ‏:‏ أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إلاَّ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ، أَلاَ وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا، أَوْ سَاجِدًا، فأما الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏

فإن قيل‏:‏ قَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ وَفِيهِ نَهَانِي، وَلاَ أَقُولُ نَهَاكُمْ

قلنا‏:‏ نَعَمْ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ إلاَّ نَهْيُ عَلِيٍّ، وَفِي الَّذِي ذَكَرْنَا نَهْيُ الْكُلِّ؛ لاَِنَّ كُلَّ مَا نَهَى عَنْهُ عليه السلام فَحُكْمُنَا حُكْمُهُ؛ إلاَّ أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ بِتَخْصِيصِهِ، فإن قيل‏:‏ قَدْ رَوَتْ عَائِشَةُ، رضي الله عنها،‏:‏ أَنَّهَا سَمِعَتْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ‏:‏ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ‏"‏ يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ قلنا‏:‏ نَعَمْ، وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي سُجُودِهِ‏:‏ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ، يَعْنِي إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ هَكَذَا، فِي الْخَبَرِ نَصًّا‏.‏فَصَحَّ أَنَّ مَعْنَى تَأَوُّلِهِ عليه السلام الْقُرْآنَ هُوَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَاسْتَغْفِرْهُ‏.‏

وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ‏:‏ لاَ تَقْرَأْ وَأَنْتَ رَاكِعٌ، وَلاَ وَأَنْتَ سَاجِدٌ‏.‏ وَعَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ لاَ تَقْرَأْ فِي الرُّكُوعِ، وَلاَ السُّجُودِ، إنَّمَا جُعِلَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ لِلتَّسْبِيحِ‏.‏

397 - مسألة

فَلَوْ قَرَأَ الْمُصَلِّي الْقُرْآنَ فِي جُلُوسِهِ بَعْدَ أَنْ يَتَشَهَّدَ وَهُوَ إمَامٌ أَوْ فَذٌّ أَوْ تَشَهَّدَ فِي قِيَامِهِ أَوْ رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ بَعْدَ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ قِرَاءَةٍ وَتَسْبِيحٍ‏:‏ جَازَتْ صَلاَتُهُ عَمْدًا فَعَلَ ذَلِكَ أَوْ نِسْيَانًا، وَلاَ سُجُودَ سَهْوٍ فِي ذَلِكَ‏.‏ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَحَبُّ إلَيْنَا

فأما جَوَازُ صَلاَتِهِ وَسُقُوطُ سُجُودِ السَّهْوِ عَنْهُ؛ فَلاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ نُهِيَ عَنْهُ، بَلْ قَرَأَ وَالْقِرَاءَةُ‏:‏ فِعْلٌ حَسَنٌ مَا لَمْ يُنْهَ الْمَرْءُ عَنْهُ، وَالتَّشَهُّدُ أَيْضًا ذِكْرٌ حَسَنٌ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُنَا‏:‏ إنَّ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الذِّكْرِ أَحَبُّ إلَيْنَا؛ فَلاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ أَمْرٌ، وَلاَ حَضٌّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

398 - مسألة

وَلاَ تُجْزِئُ أَحَدًا الصَّلاَةُ فِي مَسْجِدِ الضِّرَارِ الَّذِي بِقُرْبِ قُبَاءَ، لاَ عَمْدًا، وَلاَ نِسْيَانًا‏.‏ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاَلَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ‏}‏ إلَى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ‏}‏ فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعَ صَلاَةٍ‏.‏

399 - مسألة

وَلاَ تُجْزِئُ الصَّلاَةُ فِي مَسْجِدٍ أُحْدِثَ مُبَاهَاةً، أَوْ ضِرَارًا عَلَى مَسْجِدٍ آخَرَ‏.‏ إذَا كَانَ أَهْلُهُ يَسْمَعُونَ نِدَاءَ الْمَسْجِدِ الأَوَّلِ، وَلاَ حَرَجَ عَلَيْهِمْ فِي قَصْدِهِ، وَالْوَاجِبُ هَدْمُهُ، وَهَدْمُ كُلِّ مَسْجِدٍ أُحْدِثَ لِيَنْفَرِدَ فِيهِ النَّاسُ كَالرُّهْبَانِ، أَوْ يَقْصِدَهَا أَهْلُ الْجَهْلِ طَلَبًا لِفَضْلِهَا، وَلَيْسَتْ عِنْدَهَا آثَارٌ لِنَبِيٍّ مِنْ الأَنْبِيَاءِ عليهم السلام، وَلاَ يَحِلُّ قَصْدُ مَسْجِدٍ أَصْلاً يُظَنُّ فِيهِ فَضْلٌ زَائِدٌ عَلَى غَيْرِهِ إلاَّ مَسْجِدَ مَكَّةَ، وَمَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، وَمَسْجِدَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَطْ؛ لاَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَمَّ تَقَارُبَ الْمَسَاجِدِ‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي فَزَارَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أُمِرْتُ بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ‏.‏ ‏[‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ التَّشْيِيدُ‏:‏ الْبِنَاءُ بِالشَّيْدِ‏.‏

وبه إلى أَبِي دَاوُد، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حدثنا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ، وَأَنْ تُطَيَّبَ وَتُنَظَّفَ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ فَلَمْ يَأْمُرْ عليه السلام بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي كُلِّ مَكَان، وَأَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ‏.‏فَصَحَّ أَنَّ الَّذِي نَهَى عَنْهُ عليه السلام هُوَ غَيْرُ الَّذِي أَمَرَ بِهِ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَحَقٌّ بِنَاءُ الْمَسَاجِدِ هُوَ كَمَا بَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمْرِهِ وَفِعْلِهِ، وَهُوَ بِنَاؤُهَا فِي الدُّورِ، كَمَا قَالَ عليه السلام وَالدُّورُ هِيَ الْمَحَلاَّتُ، قَالَ عليه السلام‏:‏ خَيْرُ دُورِ الأَنْصَارِ دَارُ بَنِي النَّجَّارِ، ثُمَّ دَارُ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ، ثُمَّ دَارُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ دَارُ بَنِي سَاعِدَةَ‏.‏ وَعَلَى قَدْرِ مَا بَنَاهَا عليه السلام بِالْمَدِينَةِ، لِكُلِّ أَهْلِ مَحَلَّةٌ مَسْجِدُهُمْ الَّذِي لاَ حَرَجَ عَلَيْهِمْ فِي إجَابَةِ مُؤَذِّنِهِ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ أَوْ نَقَصَ مِمَّا لَمْ يَفْعَلْهُ عليه السلام فَبَاطِلٌ وَمُنْكَرٌ، وَالْمُنْكَرُ وَاجِبٌ تَغْيِيرُهُ‏.‏ وَقَدْ افْتَرَضَ عليه السلام النِّكَاحَ وَالتَّسَرِّيَ وَنَهَى عَنْ الرَّهْبَانِيَّةِ، فَكُلُّ مَا أُحْدِثَ بَعْدَهُ عليه السلام مِمَّا لَمْ يَكُنْ فِي عَهْدِهِ وَعَهْدِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ فَبِدْعَةٌ وَبَاطِلٌ وَقَدْ هَدَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ مَسْجِدًا بَنَاهُ عَمْرُو بْنُ عُتْبَةَ بِظَهْرِ الْكُوفَةِ وَرَدَّهُ إلَى مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ، وَلاَ فَضْلَ لِجَامِعٍ عَلَى سَائِر الْمَسَاجِدِ‏.‏ وَلاَ يَحِلُّ السَّفَرُ إلَى مَسْجِدٍ، حَاشَا مَسْجِدِ مَكَّةَ، وَالْمَدِينَةِ، وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حدثنا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إلاَّ إلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ‏:‏ مَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الأَقْصَى‏.‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَزَّارُ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، حدثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إنَّمَا الرِّحْلَةُ إلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، وَمَسْجِدِ إيلْيَاءَ‏.‏

400 - مسألة

وَلاَ تُجْزِئُ الصَّلاَةُ فِي مَكَان يُسْتَهْزَأُ فِيهِ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ بِرَسُولِهِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ الدِّينِ، أَوْ فِي مَكَان يُكْفَرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الزَّوَالُ، وَلاَ قَدَرَ صَلَّى وَأَجْزَأَتْهُ صَلاَتُهُ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَنْ إذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إنَّكُمْ إذًا مِثْلُهُمْ‏}‏‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ‏}‏‏.‏ فَمَنْ اسْتَجَازَ الْقُعُودَ فِي مَكَان هَذِهِ صِفَتُهُ فَهُوَ مِثْلُ الْمُسْتَهْزِئِ الْكَافِرِ بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَمَنْ أَقَامَ حَيْثُ حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ الْقُعُودَ فَقُعُودُهُ وَإِقَامَتُهُ مَعْصِيَةٌ، وَقُعُودُ الصَّلاَةِ طَاعَةٌ‏.‏ وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ تُجْزِئَ الْمَعَاصِي عَنْ الطَّاعَاتِ وَأَنْ تَنُوبَ الْمَحَارِمُ عَنْ الْفَرَائِضِ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ عَجَزَ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا‏}‏‏.‏

401 - مسألة

وَلاَ تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ فِي مُصْحَفٍ، وَلاَ فِي غَيْرِهِ لِمُصَلٍّ، إمَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، فَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ‏.‏

وَكَذَلِكَ عَدُّ الآيِ؛ لاَِنَّ تَأَمُّلَ الْكِتَابِ عَمَلٌ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِإِبَاحَتِهِ فِي الصَّلاَةِ‏.‏ وَقَدْ

رُوِّينَا هَذَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ‏:‏ مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ‏.‏ وَقَدْ قَالَ بِإِبْطَالِ صَلاَةِ مَنْ أَمَّ بِالنَّاسِ فِي الْمُصْحَفِ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَقَدْ أَبَاحَ ذَلِكَ قَوْمٌ مِنْهُمْ، وَالْمَرْجُوعُ عِنْدَ التَّنَازُعِ إلَيْهِ هُوَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ‏.‏ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إنَّ فِي الصَّلاَةِ لَشُغْلاً فَصَحَّ أَنَّهَا شَاغِلَةٌ عَنْ كُلِّ عَمَلٍ لَمْ يَأْتِ فِيهِ نَصٌّ بِإِبَاحَتِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

402 - مسألة

وَمَنْ سُلِّمَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَرُدَّ إشَارَةً لاَ كَلاَمًا، بِيَدِهِ أَوْ بِرَأْسِهِ، فَإِنْ تَكَلَّمَ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلاَتُهُ‏.‏ وَمَنْ عَطَسَ فَلْيَقُلْ ‏"‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ‏"‏‏.‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لَهُ أَحَدٌ ‏"‏ رَحِمَك اللَّهُ ‏"‏، فَإِنْ فَعَلَ بَطَلَتْ صَلاَةُ الْقَائِلِ لَهُ ذَلِكَ إنْ تَعَمَّدَ عَالِمًا بِالنَّهْيِ‏.‏

وَقَدْ ذَكَرْنَا حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ فِي ذَلِكَ وَحَدِيثَ الرَّدِّ أَيْضًا فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

403 - مسألة

وَلاَ تُجْزِئُ الصَّلاَةُ بِحَضْرَةِ طَعَامِ الْمُصَلِّي غَدَاءً كَانَ أَوْ عَشَاءً، وَلاَ وَهُوَ يُدَافِعُ الْبَوْلَ، أَوْ الْغَائِطَ‏.‏ وَفُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ بِالأَكْلِ، وَالْبَوْلِ، وَالْغَائِطِ

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا مُحَمَّدٌ عَبَّادٌ، حدثنا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ هُوَ أَبُو حَزْرَةَ عن ابْنِ أَبِي عَتِيقٍ قَالَ‏:‏ تَحَدَّثْت أَنَا وَالْقَاسِمُ، هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ عِنْدَ عَائِشَةَ فَأَتَى بِالْمَائِدَةِ فَقَامَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ‏:‏ قَالَتْ عَائِشَةُ‏:‏ أَيْنَ قَالَ‏:‏ أُصَلِّي، قَالَتْ‏:‏ اجْلِسْ غُدَرَ، سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ لاَ صَلاَةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ، وَلاَ وَهُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ‏.‏

حدثنا حمام، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا الدُّبَيْرِيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ كُنَّا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَرْقَمَ فَأَقَامَ الصَّلاَةَ ثُمَّ ذَهَبَ لِلْغَائِطِ وَقَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ وَبِأَحَدِكُمْ الْغَائِطُ فَلْيَبْدَأْ بِالْغَائِطِ‏.‏ وَحَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ عُثْمَانَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حدثنا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَرْقَمَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَأَقَامَ الصَّلاَةَ ثُمَّ قَالَ لاَِصْحَابِهِ‏:‏ صَلُّوا، فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ وَبِأَحَدِكُمْ حَاجَةٌ فَلْيَقْضِ حَاجَتَهُ ثُمَّ يُصَلِّي فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَصَلَّى‏.‏ وَبِهِ قَالَ السَّلَفُ‏:‏

رُوِّينَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، وَحُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ‏:‏ وُضِعَتْ الْمَائِدَةُ وَحَضَرَتْ الصَّلاَةُ فَقُمْت لاُِصَلِّيَ الْمَغْرِبَ، فَأَخَذَ أَبُو طَلْحَةَ بِثَوْبِي وَقَالَ‏:‏ اجْلِسْ وَكُلْ ثُمَّ صَلِّهِ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لاَ تُدَافِعُوا الأَخْبَثَيْنِ فِي الصَّلاَةِ فَإِنَّهُ سَوَاءٌ عَلَيْهِ يُصَلِّي مَنْ شُكِيَ بِهِ، أَوْ كَانَ فِي طَرَفِ ثَوْبِهِ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ هَذَا‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ فَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَ الْوَقْتِ فَكَذَلِكَ؛ لاَِنَّهُ مَأْمُورٌ عَلَى الْجُمْلَةِ بِأَنْ يَبْتَدِئَ بِالْبَوْلِ أَوْ الْغَائِطِ وَالأَكْلِ‏.‏فَصَحَّ أَنَّ الْوَقْتَ مُتَمَادًى لَهُ إذْ أُمِرَ بِتَأْخِيرِهَا حَتَّى يُتِمَّ شُغْلَهُ كَمَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

404 - مسألة

وَمَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلاً أَوْ كُرَّاثًا فَفُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى تَذْهَبَ الرَّائِحَةُ، وَفُرِضَ إخْرَاجُهُ مِنْ الْمَسْجِدِ إنْ دَخَلَهُ قَبْلَ انْقِطَاعِ الرَّائِحَةِ، فَإِنْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ كَذَلِكَ فَلاَ صَلاَةَ لَهُ، وَلاَ يُمْنَعُ أَحَدٌ مِنْ الْمَسْجِدِ غَيْرُ مَنْ ذَكَرْنَا، وَلاَ أَبْخَرُ، وَلاَ مَجْذُومٌ، وَلاَ ذُو عَاهَةٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا ابْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عن ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ يَعْنِي الثُّومَ فَلاَ يَقْرَبَنَّ الْمَسَاجِدَ‏.‏

وبه إلى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ‏:‏ حدثنا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ، حدثنا قَتَادَةُ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَذَكَرَ كَلاَمًا كَثِيرًا‏:‏ وَفِيهِ ‏"‏ إنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ لاَ أَرَاهُمَا إلاَّ خَبِيثَتَيْنِ، هَذَا الْبَصَلُ، وَالثُّومُ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنْ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إلَى الْبَقِيعِ‏.‏

وبه إلى مُسْلِمٍ‏:‏ حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عن ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ، وَالْكُرَّاثَ؛ فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ إذَا لَمْ يَقُلْ مَسْجِدَنَا هَذَا، أَوْ لَفْظًا يُبَيِّنُ تَخْصِيصَهُ بِمَسْجِدِهِ بِالْمَدِينَةِ‏:‏ فَكُلُّ مَسْجِدٍ فَهُوَ مَسْجِدُنَا؛ لاَِنَّهُ عليه السلام يُخْبِرُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ‏:‏ مَسْجِدَنَا مَعَ مَا قَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الآخَرِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُصْعَبِ بْنِ سَعِيدٍ‏:‏ كَانَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ الثُّومَ خَرَجَ إلَى الْبَرِّيَّةِ كَأَنَّهُ يَعْنِي إيَّاهُ

وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَشُرَيْكِ بْنِ حَنْبَلٍ مِنْ التَّابِعِينَ تَحْرِيمَ الثُّومِ النِّيءِ‏.‏ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ‏:‏ لَيْسَ حَرَامًا لاَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاحَهُ فِي الأَخْبَارِ الْمَذْكُورَةِ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ مَنْعَ آكِلِ الثُّومِ مِنْ جَمِيعِ الْمَسَاجِدِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ لَمْ يَمْنَعْ عليه السلام مِنْ حُضُورِ الْمَسَاجِدِ أَحَدًا غَيْرَ مَنْ ذَكَرْنَا وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيَّا‏.‏

405 - مسألة

وَمَنْ تَعَمَّدَ فَرْقَعَةَ أَصَابِعِهِ أَوْ تَشْبِيكَهَا فِي الصَّلاَةِ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ فِي الصَّلاَةِ لَشُغْلاً‏.‏

406 - مسألة

وَمَنْ صَلَّى مُعْتَمِدًا عَلَى عَصًا أَوْ عَلَى جِدَارٍ أَوْ عَلَى إنْسَانٍ أَوْ مُسْتَنِدًا فَصَلاَتُهُ بَاطِلَةٌ لاَِمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِيَامِ فِي الصَّلاَةِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَمُضْطَجِعًا وَكَانَ الاِتِّكَاءُ وَالاِسْتِنَادُ عَمَلاً لَمْ يَأْتِ بِهِ أَمْرٌ‏.‏

وَقَالَ عليه السلام‏:‏ إنَّ فِي الصَّلاَةِ لَشُغْلاً‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ إلاَّ أَنْ يَصِحَّ أَثَرٌ فِي إبَاحَةِ ذَلِكَ فَنَقُولُ بِهِ، وَلاَ نَعْلَمُهُ يَصِحُّ؛ لاَِنَّ الرِّوَايَةَ فِيهِ إنَّمَا هِيَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ السَّلاَمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَابِصِيِّ عَنْ أَبِيهِ، وَلاَ يُعْلَمُ حَالُهُ، وَلاَ حَالُ أَبِيهِ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ لاَ إبَاحَةٌ فِيهِ لِلاِعْتِمَادِ فِي الصَّلاَةِ، وَلاَ لِلاِسْتِنَادِ؛ لاَِنَّ لَفْظَهُ إنَّمَا هُوَ عَنْ أُمِّ قَيْسِ بِنْتِ مِحْصَنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَسَنَّ وَحَمَلَ اللَّحْمَ اتَّخَذَ عَمُودًا فِي مُصَلاَّهُ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَلَيْسَ فِيهِ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ عليه السلام يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الصَّلاَةِ، وَالأَحَادِيثُ الصِّحَاحُ‏:‏ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُصَلِّي قَاعِدًا فَإِذَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْقِرَاءَةِ مِقْدَارُ مَا قَامَ فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ‏.‏

407 - مسألة

وَمَنْ تَخَتَّمَ فِي السَّبَّابَةِ أَوْ الْوُسْطَى، أَوْ الإِبْهَامِ، أَوْ الْبِنْصِرِ إلاَّ الْخِنْصَرَ وَحْدَهُ وَتَعَمَّدَ الصَّلاَةَ كَذَلِكَ فَلاَ صَلاَةَ لَهُ‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ‏:‏ حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، هُوَ ابْنُ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه يَقُولُ نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَاتَمِ فِي السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى‏.‏ وَقَالَ هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ‏:‏ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، هُوَ ابْنُ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ‏:‏ نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتَخَتَّمَ فِي أُصْبُعِي هَذِهِ، وَفِي الْوُسْطَى، أَوْ الَّتِي تَلِيهَا‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ حَدِيثُ شُعْبَةَ هَذَا يَقْضِي عَلَى كُلِّ خَبَرٍ شَكَّ فِيهِ مَنْ رَوَاهُ عَنْ عَاصِمٍ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَنْ صَلَّى مُتَخَتِّمًا فِي إصْبَعٍ نُهِيَ عَنْ التَّخَتُّمِ فِيهَا وَبَيْنَ مَنْ صَلَّى لاَبِسَ حَرِيرٍ أَوْ عَلَى حَالٍ مُحَرَّمَةٍ، لاَِنَّ كُلَّهُمْ قَدْ فَعَلَ فِي الصَّلاَةِ فِعْلاً نُهِيَ عَنْهُ؛ فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ‏.‏

408 - مسألة

فَلَوْ صَرَفَ نِيَّتَهُ فِي الصَّلاَةِ مُتَعَمِّدًا إلَى صَلاَةٍ أُخْرَى، أَوْ إلَى تَطَوُّعٍ عَنْ فَرْضٍ، أَوْ إلَى فَرْضٍ عَنْ تَطَوُّعٍ‏:‏ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ؛ لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهَا كَمَا أُمِرَ؛ فَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ سَاهِيًا لَمْ تَبْطُلْ صَلاَتُهُ؛ وَلَكِنْ يُلْغَى مَا عَمِلَ بِخِلاَفِ مَا أُمِرَ بِهِ، طَالَ أَمْ قَصُرَ، وَيَبْنِي عَلَى مَا صَلَّى كَمَا أُمِرَ، وَيُتِمُّ صَلاَتَهُ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، ذَلِكَ مَا لَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ، فَإِنْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ ابْتَدَأَ الصَّلاَةَ مِنْ أَوَّلِهَا، لَمَّا قَدْ ذَكَرْنَا فِي الْكَلاَمِ وَالْعَمَلِ فِي الصَّلاَةِ، وَلاَ فَرْقَ‏.‏

409 - مسألة

وَمَنْ أَتَى عَرَّافًا وَهُوَ الْكَاهِنُ فَسَأَلَهُ مُصَدِّقًا لَهُ وَهُوَ يَدْرِي أَنَّ هَذَا لاَ يَحِلُّ لَهُ‏:‏ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً إلاَّ أَنْ يَتُوبَ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ صَفِيَّةَ هِيَ بِنْتُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُنَّ فِي غَايَةِ الصِّدْقِ وَالْعَدَالَةِ وَالطَّهَارَةِ وَالثِّقَةِ؛ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يُخْفِينَ، وَلاَ أَنْ يَخْتَلِطَ بِهِنَّ مَنْ لَيْسَ مِنْهُنَّ؛ بِخِلاَفِ مُدَّعِي الصُّحْبَةِ وَهُوَ لاَ يُعْرَفُ وَمَنْ أَتَى الْعَرَّافَ فَسَأَلَهُ غَيْرَ مُصَدِّقٍ لَهُ لَكِنْ لِيُكَذِّبَهُ فَلَيْسَ سَائِلاً لَهُ، وَلاَ آتِيًا إلَيْهِ، وَمَنْ تَابَ فَقَدْ اسْتَثْنَى اللَّهُ بِالتَّوْبَةِ سُقُوطَ جَمِيعِ الذُّنُوبِ إذَا صَحَّتْ التَّوْبَةُ وَكَانَتْ عَلَى وَجْهِهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ هَذَا عَلَى التَّغْلِيظِ فَقَدْ نَسَبَ تَعَمُّدَ الْكَذِبِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَفِي هَذَا مَا لاَ يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ‏.‏